لم يرقى الإنتاج التشريعي للبرلمان المغربي إلى الطموحات المنتظرة

السياسة
لم يرقى الإنتاج التشريعي للبرلمان وهو في سنته التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعة إلى الطموحات المنتظرة خاصة بسبب تسجيله لضعف واضح على مستوى تنزيل القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور الجديد.
وقد تزامنت السنة التشريعية الأولى مع سياق سياسي وطني موسوم باستمرار الإصلاحات المهيكلة الكبرى٬ واتساع دائرة النقاش العمومي حول دور البرلمان ودور
الفاعل الحزبي وتنامي وتيرة الحراك بين التنظيمات السياسية٬ حيث أثرت هذه المعطيات على مسار هذه السنة التأسيسية باعتبار أن البرلمان واجهة الديمقراطية والعمل السياسي بامتياز.

ففي بداية السنة التشريعية الأولى انكبت المؤسسة البرلمانية على تنظيم بيتها الداخلي من خلال إصلاح النظام الداخلي لمجلس النواب قصد ملاءمته مع مقتضيات دستور 2011٬ وهو الإصلاح الذي أجمعت كافة مكونات مجلس النواب٬ أغلبية ومعارضة٬ على أنه يبقى مجرد تعديل تقني يتوخى توفير الإجراءات والضوابط القانونية لتأطير العمل البرلماني والحكومي إيذانا٬ في حينه٬ بدخول سياسي يواكب المستجدات التي جاء بها الدستور.

فعلى الرغم من الأهمية التي تكتسيها التعديلات التي طرأت على ذلك النظام فإنها تظل غير كافية لمواكبة التحولات السياسية التي تشهدها المملكة٬ وهو ما يستدعي إخضاع الصيغة الحالية لتعديل أشمل يلامس بشكل معمق قضايا جوهرية ذات صلة بأداء مجلس النواب٬ وحضوره في المشهد السياسي الوطني٬ وعلاقته بالغرفة الثانية٬ وبمؤسسات دستورية أخرى.

وقد همت تلك التعديلات على الخصوص رفع عدد اللجان الدائمة إلى ثماني لجان عوض ستة وإعادة توزيع اختصاصاتها٬ وذلك من أجل الرفع من وتيرة الإنتاج التشريعي للمجلس.

من جهة أخرى٬ انكب مجلس النواب٬ خلال السنة التشريعية الحالية٬ على المصادقة على عدد من مشاريع القوانين بلغت حوالي 48 مشروع قانون ومقترح قانون واحد٬ حسب الموقع الإلكتروني للمجلس.

ويأتي على رأس هذه النصوص قانون المالية لسنة 2012 ومشروع قانون المالية لسنة 2013٬ ونصوص قانونية أخرى همت أساسا الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية والتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور٬ وكذا مجال الحكامة وتكافؤ الفرص، وتطوير القطاع الفلاحي، وتعزيز سلطة القضاء، والحفاظ على البيئة، وتنظيم القطاع السياحي، وتطوير قطاع التكوين.

كما صادق المجلس على عدد من الاتفاقيات الدولية الهامة٬ سواء خلال الدورة الربيعية أو الدورة الخريفية الحالية٬ من بينها الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري٬ الاتفاق الموقع ببروكسيل في 13 ديسمبر 2010 على شكل تبادل رسائل مبرم بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي بخصوص الإجراءات المشتركة لتحرير السوق في مجال المنتجات الفلاحية والمنتجات الفلاحية المصنعة والأسماك ومنتجات الصيد البحري٬ وبخصوص تعويض البروتوكولات رقم 1 و 2 و 3 وملحقاتها وكذلك حول التغييرات المدخلة على الاتفاق الأوروبي - المتوسطي المؤسس لشراكة بين المملكة المغربية من جهة والمجموعات الأوروبية والدول الأعضاء بها من جهة أخرى.

من جهته صادق مجلس المستشارين٬ خاصة خلال الدورة الربيعية للسنة التشريعية 2012٬ لوحدها٬ على 20 نصا تشريعيا٬ وكذا على مشاريع المراسيم بقانون التي وافقت عليها لجان المجلس خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين، وعلى عدد من الاتفاقيات الدولية همت العلاقات الاقتصادية بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، وحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، والمعايير الدنيا للضمان الاجتماعي، ومنظمات العمال الريفيين ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وما يلاحظ على السنة التشريعية الأولى للبرلمان بمجلسيه ضعفا في إقرار القوانين التنظيمية حيث لم تصادق المؤسسة التشريعية سوى على قانون تنظيمي واحد يخص تطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور ويتعلق بالتعيين في المناصب العليا وذلك بعد ملاءمته مع قرار المجلس الدستوري، كما أن مجلس النواب لم يصادق سوى على 5 قوانين تنظيمية من أصل 20 قانونا تنظيميا منذ دخول الدستور الجديد حيز التطبيق.

وقد تباينت الآراء من الحصيلة العامة٬ خاصة بخصوص الدورة الربيعية السابقة لمجلس النواب(2012)٬ فهناك من يرى أن عامل الوقت وخصوصية الظرف السياسي حالا دون إنتاج تشريعي أكبر، وهناك بين من يرى، على النقيض من ذلك، أن الحصيلة كانت ضعيفة جدا ولم تكن في حجم التوقعات.

وفي هذا الصدد، أكد أصحاب الرأي الاول أن الملاحظ بالمقارنة مع السنوات السابقة هو وجود نقص، لكن الظرفية السياسية والحيز الزمني يصعب معهما القول بأن للدورة السابقة وبداية الدورة الحالية إنتاج تشريعي متميز أو غير متميز، في ظل الإطار العام الذي يحكم خصوصية هذه الدورتين.

وعلى العكس من ذلك، اعتبر أصحاب الثاني أن الإنتاج كان ضعيفا، نظرا لعدم التقدم بأية مشاريع قوانين تنظيمية لأجل إعمال الدستور، باستثناء قانونين وحيدين، هما قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية وقانون التعيينات في المناصب العليا.

ومن أجل كسب رهان تدبير الزمن التشريعي، على اعتبار الأجندة المكثفة للحكومة في المجال التشريعي٬ فقد أعدت الحكومة مخططا تشريعيا٬ سيعرض على البرلمان٬ يعد بمثابة خارطة طريق واضحة لالتزاماتها من خلال المدخل التشريعي، كما أنه يجسد وضوح الرؤية لدى الحكومة بخصوص عملها في ما تبقى من عمر الولاية التشريعية، وسيساهم في رفع وتيرة وجودة الإنتاج التشريعي.

ومن المتوقع أن يتضمن المخطط 15 قانونا تنظيميا، ونصوصا تتعلق بمراجعة القوانين المتعلقة بالمؤسسات ذات الصلة بالحقوق والحريات والحكامة، إلى جانب القوانين ذات الصلة بالتدابير التشريعية المدرجة في إطار ملاءمة الترسانة القانونية مع مقتضيات الدستور، فضلا عن النصوص القانونية ذات الصلة بتنفيذ السياسات القطاعية.